فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{قالوا لن نبرح عليه عاكفين}.
أي: لن نزال مقيمين على عبادة العجل {حتى يرجع إِلينا موسى} فلما رجع موسى {قال يا هارون ما منعك إِذ رأيتهم ضلُّوا} بعبادة العجل {ألا تتَّبعني} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {ألا تتبعني} بياء في الوصل ساكنة، ويقف ابن كثير بالياء، وأبو عمرو بغير ياء.
وروى إِسماعيل بن جعفر عن نافع: {ألا تتبعنيَ أفعصيت} بياء منصوبة.
وروى قالون عن نافع مثل أبي عمرو سواء.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بغير ياء في الوصل، والوقف.
والمعنى: ما منعك من اتباعي.
ولا كلمة زائدة.
وفي المعنى ثلاثة أقوال:
أحدها: تسير ورائي بمن معك من المؤمنين، وتفارقهم.
رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: أن تناجزهم القتال، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: في الإِنكار عليهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {أفعصيت أمري} وهو قوله في وصيته إِياه {اخلفني في قومي وأصلح}.
قال المفسرون: ثم أخذ برأس أخيه ولحيته غضبًا منه عليه.
وهذا وإِن لم يذكر هاهنا، فقد ذكر في [الأعراف: 150] فاكتُفي بذلك، وقد شرحنا هناك معنى {يا ابن أم} واختلاف القراء فيها.
قوله تعالى: {ولا برأسي} أي: بشعر رأسي.
وهذا الغضب كان لله عز وجل، لا لنفسه، لأنه وقع في نفسه أن هارون عصى الله بترك اتِّباع موسى.
قوله تعالى: {إِني خشيتُ} أي: إِن فارقتُهم واتبعتك {أن تقول فرَّقت بين بني إِسرائيل} وفيه قولان:
أحدهما: باتباعي إِياك ومن معي من المؤمنين.
والثاني: بقتالي لبعضهم ببعض.
وفي قوله تعالى: {ولم ترقب قولي} قولان:
أحدهما: لم ترقب قولي لك: {اخلفني في قومي وأصلح}.
والثاني: لم تنتظر أمري فيهم.
قوله تعالى: {فما خطبك يا سامري}.
أي: ما أمرك وشأنك الذي دعاك إِلى ما صنعت؟! قال ابن الأنباري: وبعض اللغويين يقول: الخطب مشتق من الخطاب.
المعنى: ما أمرُك الذي تخاطب فيه؟!
واختلفوا في اسم السامري على قولين.
أحدهما: موسى أيضًا، قاله وهب بن منبه، وقال: كان ابن عم موسى بن عمران.
والثاني: ميخا، قاله ابن السائب.
وهل كان من بني إِسرائيل، أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: لم يكن منهم، قاله ابن عباس.
والثاني: كان من عظمائهم، وكان من قبيلة تسمى سامرة، قاله قتادة.
وفي بلده قولان:
أحدهما: كرمان، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: باجرما، قاله وهب.
قوله تعالى: {بَصُرْتُ بما لم يَبْصُروا به} وقرأ حمزة والكسائي: {تَبصروا}، بالتاء.
فعلى قراءة الجمهور أشار إِلى بني إِسرائيل، وعلى هذه القراءة خاطب الجميع.
قال أبو عبيدة: علمت ما لم تعلموا.
قال: وقوم يقولون: بصرت، وأبصرت سواء، بمنزلة أسرعت، وسَرُعت.
وقال الزجاج: يقال: بصُر الرجل يبصُر: إِذا صار عليمًا بالشيء، وأبصر يبصر: إِذا نظر.
قال المفسرون: فقال له موسى: وما ذاك؟ قال: رأيت جبريل على فرس، فأُلقي في نفسي: أن اقبض من أثرها {فقبضت قبضة}، وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، ومعاذ القارئ: {قبصة} بالصاد.
وقال الفراء: والقبضة بالكفِّ كلِّها، والقبصة بالصاد بأطراف الأصابع.
قال ابن قتيبه: ومثل هذا: الخضم بالفم كله، والقضم بأطراف الأسنان، والنضخ أكثر من النضح، والرجز: العذاب، والرجس: النتن، والهُلاس في البدن، والسُّلاس في العقل، والغلط في الكلام، والغلت في الحساب، والخصر: الذي يجد البرد، والخرص: الذي يجد البرد والجوع، والنار الخامدة: التي قد سكن لَهَبها ولم يطفأ جمرها، والهامدة: التي طفئت فذهبت البتَّة، والشُّكْد: العطاء ابتداءً، فإن كان جزاءً فهو شُكْم، والمائح: الذي يدخل البئر فيملأ الدلو، والماتح: الذي ينزعها.
قوله تعالى: {فنبذتها} أي: فقذفتها في العجل.
وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: {فنبذتها} بالإِدغام {وكذلك} أي: وكما حدثتك {سوَّلتْ لي نفسي} أي: زيَّنتْ لي {قال} موسى {اذهب} أي: من بيننا {فإن لك في الحياة} أي: ما دمت حيًا {أن تقول لا مساس} أي: لا أَمسُّ ولا أُمَسُّ، فصار السامريُّ يهيم في البرِّيَّة مع الوحش والسباع، لا يمسَّ أحدًا، ولاَ يمَسُّه أحدٌ، عاقبه الله بذلك، وألهمه أن يقول: {لا مساس}، وكان إِذا لقيَ أحدًا يقول: لا مساس، أي: لا تقربني، ولا تمسني، وصار ذلك عقوبة لولده، حتى إِن بقاياهم اليوم، فيما ذكر أهل التفسير، بأرض الشام يقولون ذلك.
وحكي أنه إِن مس واحدٌ من غيرهم واحدًا منهم، أخذتهما الحمَّى في الحال.
قوله تعالى: {وإِن لك موعدًا} أي: لعذابك يوم القيامة {لن تُخلَفَه} أي: لن يتأخر عنك.
ومن كسر لام {تخلف} أراد: لن تغيب عنه.
قوله تعالى: {وانظر إِلى إِلهك} يعني: العجل {الذي ظَلْت} قال ابن عباس: معناه: أقمت عليه.
وقال الفراء: معنى {ظلت}: فعلته نهارًا.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو الجوزاء، وابن يعمر: {ظُلت} برفع الظاء.
وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، والأعمش، وابن أبي عبلة: {ظِلت} بكسر الظاء.
وقال الزجاج: {ظَلت} و{ظلت} بفتح الظاء، وكسرها، فمن فتح، فالأصل فيه: ظللت ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر، وبقيت الظاء على فتحها، ومن قرأ: {ظِلت} بالكسر، حوَّل كسرة اللام على الظاء.
ومعنى {عاكفًا} مقيمًا، {لنحرِّقنَّه} قرأ الجمهور: {لنحرقنَّه} بضم النون وفتح الحاء وتشديد الراء.
وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو رزين، وابن معمر: {لنَحْرقنه} بفتح النون وسكون الحاء ورفع الراء مخففة.
وقرأ أبو هريرة، والحسن، وقتادة: {لنحرقنه} برفع النون وإِسكان الحاء وكسر الراء مخففة.
قال الزجاج: إِذا شدد، فالمعنى: نحرقه مرة بعد مرة.
وتأويل {لنحرقنَّه}: لنبردنَّه، يقال: حرقت أحرُق وأحْرِق: إِذا بردت الشيء.
والنسف: التذرية.
وجاء في التفسير: أن موسى أخذ العجل فذبحه.
فسال منه دم، لأنه كان قد صار لحمًا ودمًا، ثم أحرقه بالنار، ثم ذراه في البحر. اهـ.

.قال القرطبي:

{قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل {حتى يَرْجِعَ إِلَيْنَا موسى} فننظر هل يعبده كما عبدناه؛ فتوهموا أن موسى يعبد العجل، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفًا الذين لم يعبدوا العجل، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال للسبعين معه: هذا صوت الفتنة؛ فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبًا و{قَالَ يا هرون مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا} أي أخطأوا الطريق وكفروا.
{أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} لا زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي.
وقيل: ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم.
وقيل: معناه هلاّ قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم.
وقيل: ما منعك من اللحوق بي لما فُتنوا.
{أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} يريد أن مقامك بينهم وقد عبدوا غير الله تعالى عصيان منك لي؛ قاله ابن عباس.
وقيل: معناه هلاّ فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعًا لهم وزجرًا.
ومعنى {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} قيل: إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: 142] فلما أقام معهم، ولم يبالغ في منعهم، والإنكار عليهم، نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره.
مسألة:
وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتغييره ومفارقة أهله، وأن المقيم بينهم لاسيما إذا كان راضيًا حكمه كحكمهم.
وقد مضى هذا المعنى في آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال.
وسئل الإمام أبو بكر الطُّرْطوشي رحمه الله: ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأُعلِم حرس الله مدته أنه اجتمع جماعة من رجال، فيكثرون من ذكر الله تعالى، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيًا عليه، ويحضرون شيئًا يأكلونه.
هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه:
يا شيخُ كُفَّ عن الذُّنوبْ ** قبلَ التَّفرُّق والزَّلَلْ

واعْمَلْ لنفسكَ صالحًا ** ما دام ينفعك العَملْ

أمّا الشبابُ فقد مَضَى ** ومَشيبُ رأسكَ قد نَزلْ

وفي مثل هذا ونحوه.
الجواب: يرحمك الله مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامريّ، لما اتخذ لهم عجلًا جسدًا له خُوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون؛ فهو دين الكفار وعبّاد العجل؛ وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى؛ وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار؛ فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها؛ ولا يحلّ لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يَحضُر معهم، ولا يعينهم على باطلهم؛ هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق.